الأحد، ٥ جمادى الأولى ١٤٣٤ هـ

ستر عنز وغيرة تيس

(وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرا)..
حذرالإسلام منذ مئات السنين من فيروس خطير وخبيث يجتث العقيدة ويهدم القيم وقد إنتشر بالفعل في الآونه الأخيرة هذا الفيروس الخطير الذي لا يقتل الروح داخل النفس بل يقتل ماهو أغلى من الروح إنه يقضي على الغيرة التي شرعها الله وجعلها غريزة فطرية في البشر (وبعض من أنواع الحيوانات).

يسمى هذا الفيروس شرعا ( بالدياثة ) في حين يسميه المصابون به بمسميات عديدة (تطور ,تقدم ,تحضر,مواكبة ,مساواة ,حرية شخصية ) وذلك لينفوا تهمة إصابتهم به في محاولة لخداع الناس وإنما هم في الواقع يخدعون أنفسهم.

ينتشر الفيروس في المجتمعات أقصد في المستنقعات التي تكثر حولها حظائر يقطنها نوع من البشر ستر نسائهم (ستر عنز ) وغيرة رجالهم ( غيرة تيس ).

ويعاني الأشخاص المصابون بهذا المرض والعياذ بالله من فقدانهم للكثير من السلوكيات المحمودة حيث يصاب الرجال بضعف الشخصية والخور وإنعدام القوامة وقلة الخجل وضياع الشرف والمهابة في حين يعاني النساء اللواتي يوافقن الرجال المصابون بالمرض من قلة الحياء والعفه وإنعدام الستر وعدم الخوف من الله والتمرد على العادة والعبادة والتكبر على الرجل وإحتقاره.

إن أول خطوات الشيطان التي تقود إلى الإصابة (بالدياثة) هي السماح بوجود قنوات العهر والخزي والرذيلة داخل البيوت والرضى بها والسكوت عنها يشاهدها الكبير والصغير البنت والولد مما أصاب الغيرة بشيء من الضعف والهزال.

ثم تطور الوضع قليلا وأصبحنا نشاهد الأطباء في المستشفيات يكشفون أغلظ العورات دون ضرورة حقيقية تحل ما حرم ومع وجود طاقم طبي نسائي ( يبدو أن مهمته متابعة الحدث عن بعد وتصفح الأوراق) وتجد الرجل يبقى خارج العيادة ليكشف الطبيب على محرمه دون يحرك فيه الأمر ساكن فهل من الشرف أن يشارك الرجال في توليد المرأه توليد طبيعيا مع وجود عشرات الطبيبات المختصات داخل المستشفى ؟!.وهل من الشرف أن يقوم الطبيب الرجل بفتح فم المريضة ليخلع ضرسها وقد أصبح أقرب إلى جسدها من المحرم الذي يقف خلفه كالطاوله هذا إذا تواجد هناك أصلا ؟!

وتفاقم الوضع حتى صرنا نشاهد إنعدام الغيرة في صور لا يمكن حصرها هاهنا , وإن المسبب الرئيسي للمرض هو إبتعاد بعض من رجال الأمة عن الدين وإتباعهم لهوى النفس وأنشغالهم عن رعيتهم بتوافه الأمور.

هل وصل الرجال إلى درجة من الخور تفقدهم السلطه على محارمهم أم هو رخص في قيمة نسائهم جعلهن لا يعنين لهم شيئا فتركوهن سهلات المنال وعرضة للخطر ولكلام الناس ونظرات الإزدراء ,ويخفي هولاء ضعف شخصيتهم وتمرد نسائهم عليهم تحت ذريعة (الظروف تتطلب ذلك ) ,ومن صنع تلك الظروف إلا إتباع خطوات شيطان أقسم بعزة الله أن يغويهم أجمعين ,إلا عباده المخلصين.

أين هم أولئك أشباه الرجال ليتعلموا من عثمان بن عفان درسا حين أرادوا الدخول عليه رضي الله عنه لقتله، وأحاط به أعداؤه، جاءت امرأته نائلة ونشرت شعرها أرادت أن تستره لتحميه قال "خذي خمارك، فلعَمري لدخولهم عليّ يعني لقتلي أهون عليّ من حرمة شعرك".

لعمري أن موت الرجل خير وأهون من موت غيرته.

لقد كان العرب في الجاهلية الاولى رغم ما توحلوا فيه من شرك وفسوق إلا إنهم يغارون غيرة تفوق كل المعاني وإنما كانوا يؤدون البنات خوفا من أن يجلبن لهم الخزي والعار, يدفنون الجسد والروح ليبقى الشرف {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب}.

حتى جاء الإسلام وحرم ذلك وصحح المفاهيم ووضع الحدود التي تضمن للمرء حياة شريفة وكريمة ورفع الظلم عن تلك البنت وجعل حسن تربيتها حجاب عن النار , فما بالها الجاهلية الثانية تؤد الحياء في نفوس بناتنا وتدفن العفة والحشمة تاركة الجسد والروح تتمرغ في وحول المحرمات وتتساهل في قضية الشرف و الكرامه فنجد الرجل يتباها بزوجته او ابنته او اخته وهي تقف تضحك مع هذا وتتحدث معه هذا بل ويصفق لها كالأبله فلا خجل من إنتهاك محارمه ولا وجل من إنتهاك محارم الله وبين ( ستر العنز ) و( غيرة التيس ) تضيع الرعيه ويهلك الراعي.

أتعجب من رجلا ترك زوجته تسافر وحدها دون ولي ويعود للبيت لينام مطمئن القلب ومرتاح البال أتساءل هل قتل الشيطان بيديه ؟ لا والله بل قتل غيرته التي هي المعنى الحقيقي لرجولته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال : يا رسول الله ! إن امرأتي خرجت حاجة.. وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا.. قال : انطلق فحج مع إمرأتك» [ رواه مسلم]...

أمر الرسول الرجل بترك الجهاد واللحاق بزوجته وهي قد سافرت للحج وفي طاعة الله حيث لا زينة ولا تبرج وليس للسياحة أو لملتقى ثقافي أو للدراسة حيث تكتمل الزينة والتبرج والسفور.

كانت الغيرة عند العرب عامة والمسلمين خاصة تتعدى حدود المحارم إلى محارم الغير فتجد الرجل يغار على أهل جاره كما يغار على أهل بيته ولكن كان ذلك حينما كانت الرجولة معافاة سليمة لم تصبها هشاشة فكر ولا إنحلال عقيدة.

إن إستفحال هذا المرض و تفشيه في الأمة يؤدي إلى أمراض أشد خطرا وأوبئة أعظم هلاك بل إنه يقضي على الأمة برمتها .

أما عن اللقاح المناسب للقضاء على هذا المرض والحد منه فهناك لقاح وقائي يعطى للإنسان منذ الطفولة بتربيته التربية الإسلامية الصحيحة ,ولقاح علاجي وهو للمصابين إذ يتوجب عليهم العودة لله وحفظ الأمانة وصون العرض والوقوف وقفة رجال لا تأخذهم في الله لومة لائم بهدم صروح الذل والإنحطاط والرذيلة حتى لا يحرموا أنفسهم من نظرات الوقار والرفعة من الناس في الدنيا و نظرة الرحمة والمحبة من الله جل وعلا إليهم يوم القيامة.

تعود كرامة الأمة تعتلي عرش العزة إذا و إذا فقط عادت الغيرة على محارم الله تعتلي عرش الأخلاق.

ليست هناك تعليقات: